هو العلّامة الشيخ عبدالله بن الشيخ أحمد بن الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالقادر، نشأ في كنف أبيه و تتلمذ على يديه، كما طلب العلم على يد الشيخ العلّامة عبدالله البيتوشي ،و الشيخ العلّامة حسين بن أبي بكر الغنّام ،و الشيخ العلّامة المكّي محمد المرسي بن المختار المغربي، و الشيخ العلّامة أحمد بن محمد المصري الأحسائي الشافعي.

كما طلب العلم على يد الشيخ العلّامة المكّي محمد المرسي بن المختار المغربي، وذلك عندما رحل الشيخ عبدالله إلى مكة حاجّاَ مع الشيخ محمد بن أحمد العثمان الشافعي سنة 1215هـ، واتصلا بعلماء مكة، وكان منهم الشيخ بن المختار المغربي الذي أجازهما بجميع مروياته لموطأ الإمام مالك والكتب الستة في الحديث، جاء في نص الإجازة:

"الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. قد أجزت محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بالموطأ والكتب الستة وغيرهما من كتب الحديث بالشرط المعتبر عند أهل الأثر. عبدالله الراجي عفو مولاه محمد المرسي بن المختار الحسني المغربي عفا الله عنه وكذاك أجزت عبدالله بن أحمد بن عبدالقادر بما ذكر أعلاه وقد أجزت لهما أي يجيزا غيرهما."

تَـبِـع الشيخ -رحمه الله- خطى أبيه الشيخ أحمد في حب اقتناء ونسخ الكتب النفيسة في الفقه والحديث والأدب. ومن هؤلاء الكتب مخطوطة نسخها بيده سنة 1220هـ لكتاب سفر السعادة لمن أراد الحسنى وزيادة للشيخ العلّامة أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزبادي, ذكر في آخره:

"هذا آخر كتاب سفر السعادة لمن أراد الحسنى زيادة وقد منّ الله بتمامه وإكماله على يد أقل عباد الله وأحوجهم إلى عفو الله عبدالله بن أحمد آل عبدالقادر الأنصاري الشافعي الأحسائي وذلك في ضحوة يوم الإثنين رابع عشر جمادى الثاني من سنة العشرين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية على مهاجرها الصلاة والسلام."

وكانت للشيخ مكانة علمية أهّلته ليكون مرجعاً في بلده، فقد أوقف عليه أحد رجال الخير المدرسة الشمالية في محلة العتبان سنة 1221هـ. ولما استولى الإمام سعود بن عبدالعزيز من حكام الدولة السعودية الأولى على بلاد الأحساء قَويَت ثقة الإمام بالشيخ, و بان له علمه و فضله, و تمسُّكُه بما عليه السلف الصالح في اعتقاده و عمله, فخرج من الإمام سعود توقيعٌ هذا نصه:

" بسم الله الرحمن الرحيم , صدر الأمر من الأمير سعود بن عبد العزيز , نشر الله في الآفاق صيته و عزه و عدله, و أظهر في الرعايا معروفه و إحسانه و فضله, بإقامة الشيخ عبدالله بن الشيخ أحمد آل عبد القادر مُدرّساً و مُعلماً للناس ما خلق الله لأجله الخليقة, و نصب الدلائل على انه الواجب المقدم, و اللازم المحتم في الحقيقة, و هو توحيد الله جل جلاله في أسمائه و ذاته و صفاته, و خلقه و أمره ونهيه, و ما يتبع ذلك من تفسير كتاب الله, و قراءة حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم, و عليه في ذلك تقوى الله سرًا و علانية, ومراعاة ما تجب مراعاته, و بذل الوسع في بث هذا الخير الذي خص الله به من يشاء من عباده, فشرفوا به, و ظهروا على أهل الضلال و الإلحاد، و ملكوا ببركته أقاصي البلاد. جرى في اليوم الحادي و العشرين من شهر رجب الحرام، عام واحد و عشرين و مائتين و ألف"

وكان للشيخ عبد الله علاقة تواصل ومحبة مع علماء عصره. يُذكر أن الشيخ العلّامة الفهّـامـة أبوبكر بن محمد آل ملا والشيخ العلّامة عبدالله بن أحمد بن عبداللطيف خرجوا إلى الاستجمام في عين نجم، ولم يخبروا الشيخ عبدالله. فلما علم بخروجهم رغب في لقائهم والأنس بهم، فأرسل إليهم معاتباً:

يــــــاعــيـن نـجـم فـقــت آبــار الـحـســا بـــــحــرارة وبــــخـار مــــــــــاء يــصـــــعــد
ونــــــزاهــــة ونـظــافــــــة فـي مـائــهــــا والـمـــــدح فــــــــي أوصــافــهـا يــتـزايــــد
لـكـــنـنـي أشـكــــو الـجـفـا مـن سـيـــد فــــــاق الأنـــام وفــضـلـــه لـي يـشـهــــد
نـجــــــل الـكـــرام الــسـادة الـغـــر الألـى لــــــهـم الـمــفـاخــر والـــعـلا والســـــؤدد
بـحـــــــر العـــــلوم وحـبــرهــا ومـفـيــــده وأبـــــــوه مــن حــــاز الـمــكارم "أحـمـــد"
"الشـيـــخ عـبـدالله" ذو الـفــضـــل الــذي بـهــــــر الـسـمـــاك وغـار مـنـــه الـفـرقــد
سـرتـم إلـى الـعـيـن الـتي شرفـت بـكـم وتـضــــــاءلـت مـنـهـــا الـعـيـون الـســهــد
وتـــــــركــتـمـوني مـثـــل قـيـس هــائـمـا مـن وجـــــده فـأنـــا الـمـحــــب الـمـبـعــد
هـــــــــلا بــعــثـتـــم للـمـشـوق رسـالــة يـحـيـــا بـهـا الـقـلـب الـشـقـي ويـسـعـد
لـكــن لـي فـيـمــن مـضـى مـن أســرتي أهــــــــــل الفضـائـــــل أســوة لا تـجـحــد
سـتــــــــرون بـعـــــدي أثــــرة لا تـحــزنــوا والصـبــــر فـي بـعـض الـمــواضــع يـحـمـد
وصــــــلاة ربـي والســـــلام عـلـى الــذي لـــــــولاه مـــا قـــــــال الـمـــؤذن أشـهـــد

فأجابه الشيخ أبو بكر الملا قائلا:

يـــــــا نـجـــــل أربــــاب المــكـارم والحـجــا ومـــفـاخـــــر فـي غـيــرهــم لا تـوجــــــد
أنـــــت الــذي حــــزت الـفـضـائــل والـنـهى والـحـلــم والـعــلــــم الـذي هـو مـرشــــد
وردت إلــى رسـالـــــــة مـن ســـــوحـكــــم نــــظــم بــديــع فـي الـبـلاغــــة مــــفــرد
تــــتـــــضــمـن الـتـفـنــــــيد للخـــــل الـذي هـــو فـي هــواكــــم شــوقــــه يـتـجـــدد
هــــلا عـذرتـــــم إذ عـــــذلــتـم مـغــــــرمــا مــــــن عــــذلــكـم زفـــراتـــــه تـتـــصــعـد
إنــــــي ـ وحــقـك ـ هـائــــم فـي حـبــــكــم هــــــذا وسـيـمـــاء الصــبـابـــة يـشــــهـد
لــم لا وأنـــــت سلالـــــــة الأنصـــــار مــــن نــصــروا لــديـن الله فيـــــــه وجاهــــــــدوا
مــــــع ذا وحبهـــــــــم علامــــــــة مؤمـــــن بالله جــا ذا في حـديـــــــــث يشـــــــــهـد
مــــــازال قلــــــــــــــــبي جانحا لوصـالكـــم أبــــدا ونـيـــــــــران المحــــــتــبــة توقــــــد
هــــــذا ولـمـــــــا مـــــــن ربـــــي باللــــــقا زال العـنـــــــا واتى الهنـــــــا والـمـقـصــــد
لـــــولا مــوانــــــع دهـــــــــرنا لـتـرادفـــــــت مـنـــي إلـيــــــــــك زيــــــــــارة وتـــــــــردد
دم ســــــــالما في خفـــــض عيش مخضل مـحـروس ذات مـجــــــــدهــا لا يـفـقـــــــد
ثـم الصلاة مع السلام عــــــــلى النبــــــي والآل مـــانـــــــاح الـحــــــــمـام يـــــــــغـرد

ورغم أن للشيخ عبدالله مكانة علمية كبيرة ووجاهة اجتماعية فريدة، كان -رحمه الله- حريصاً أن يكون من أهل التواضع والوفاء، امتثالاً لأمر الله ورسوله -عليه أفضل الصلاة والتسليم- . تشهد بذلك رسالة كتبها إلى أحد أصحابه يعتذر عن موقف بدر منه من غير قصد، وذلك عندما دخل الشيخ مجلس أحد العلماء فقام له أحد المحبين له وأفسح له، فلم يلتفت إليه ولم يسلم عليه، فأخذ العالم في نفسه، ولمّا بُـلِّغ الشيخ بما حدث، كتب إلى هذا العالم هذه الرسالة:

" من الفقير عبدالله بن أحمد إلى جناب المكرم الأوحد والعالم المفرد جم الفضائل سلالة الأماجد الأماثل، زين الدين وقدوة العلماء العاملين الأخ العزيز والركن الحريز الأجل المكرم الشيخ عبدالعزيز أعزه الله بطاعته وسلك بنا وبه طريق أهل ولايته وعافاه عن طريق أهل الزيغ والنفاق وجعلنا وإياه من أهل العلم والاتفاق، إنه الكريم الخلاق. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. غب الدعاء والسلام هو أن الولد الحبيب محمد أن الشيخ المشار إليه ذكر له عن قدومي على شيخ المشايخ العالم الأواه عبدالله لأجل السلام. وأن عزيزنا فسح لي عن مكانه وأجلسني فيه، ولم ألتفت إليه وأسلم عليه. والذي عند الفقير أن الذي قام من مكانه عمر بن قرينيس. والله الذي لا إله إلا هو أني لم أشعر أنك في ذلك المجلس ولم تنظر عيني إليك إلا ما شاء الله. فإن كان الأمر خلاف ذلك فأصابني أمرين: إما أنوار الشيخ وبهاؤه غشيتني وغطت على بصري، وإما العظمة والجلالة أذهلتني عن ذلك. فأنا في إحدى الأمرين معذور، وأقول سبحان الله وبحمده العظيم كيف يعرض عنك بصري. أنسيت معروفك ومَـعرِفَـتك! أم زل عن قلبي محبتك ومودتك! أم ألبسني الكِـبْـر رداءه بعد الكبر والمشيب؟! كلا.محبتك في قلبي على ما تعهد في زيادة ولو تباعدت الأجسام وقلة المواجهة. والسلام. فالمأمول من جناب عزيزنا الصفح والمسامحة، وقبول العذر من الفقير كما هو من عادة إحسانك والمعروف من كرمك وأفضالك. فإن بقي في خاطر مولانا شئ فالفقير يركب على رغم أنفه حتى يلثم الأعتاب ويلزم خدمة ذلك الجناب ويقيم إن أحببت ثلاثا أو خمسا أو سبعا في ضيافة الشيخ ويحتسي من قهوة المشايخ والشرب في تلك الفناجيل ليزول العتاب ونكون من جملة الأصحاب. والسلام عليكم ومن حظر المجلس، ومن لدينا من الأولاد يبلغونكم من حيث الجملة السلام وأنتم في أمان الله وحفظه."


رُزق الشيخ بستة أولاد هم محمد, و حسين, و عبد العزيز, و عبد الرحمن, و عبد الوهاب, و أحمد, و كلهم علماء أجلّاء, و حملة قرآن. كانوا وهم شباباً في بيت أبيهم يتعاقبون قيام الليل كلّه، رحمهم الله تعالى.

توفي الشيخ عبدالله بن أحمد سنة 1264 هـ، غرف الله له وأسكنه في جنات النعيم.

وهذه قصيدة للعلّامة الشيخ حسين بن أبي بكر بن غنام يمدح فيها الشيخ عبدالله بن أحمد:

هــل الدعــص إلا مــا حــــــــــواه إزارها   أو البــان إلا مـا أبـــان اهـتـصـــــــارهـا
أو الفجــــــــــــر إلا ما بـــدا من جـبـينها أو الــورد إلا مــا جـــــــــلاه احـمـرارهـــا
أو اللـيل إلا مـن معسعس شعــــــــرها أو الخـمــــــر إلا ظـلـمـها لا عقــــــارهــا
أو السهـــــــم إلا ما تـريـش جـــفـــونها أو الـبـيـض إلا لـحــظــــــها لا غــــرارهـــا
مهــاة تريـك الشمس طلعـــــــة وجهـها إذا أسـفرت يـجلو الـظـلام نـهـــــــارهـــا
سقى كل هطـال إليـك العزالـيـن حــبها ولا برحت حـلـف الـحـيــــــاء ديــارهـــــا
فـكم قـد ركضــــنا في مـيـاديـن لهـــوها جيــــاد هـوى مـا خـــــيـل مـنها نفارها
وأوقــــــات لــذات قـضـينــــا بســـوحــها وأيـــــــام وصـــل واصـــــلـتـها قـصــارهـا
فيــــا مــن لـعين حـالـف الســهد جفنها لفقـــد حبيب مــــا يـكف انهــــمارهـــا
كــأن الحشــــا مـن لاعـج البين والـنـوى وفرط الجـوى قـد أوقدت فـيـه نـــــارهـا
كــأن فــــؤادي مذ دهى البين مخـــــــبر بأن قد جــفـاه ذو المعــــالي وجـــــارها
إمـام الــهدى رب الـنـدى مـجـزل الجدى كمـا للعــــــدى منه دوامــــا دمـــــــارها
زكـي ذكـي كـم جــــلى نــــــور فكــــــره دجـى مـشـكلات بـان منها انتشــارها!
حــوى الحـلـم والإجــلال والحـزم والنهى هـمــام به "الأحسـاء" كـان افـتـخـــارها
ســلالــة حـــاوي المـجــد والفخر "أحمد" وآثـــــــارها للـمـكــــــرمـات مــــــــدارها
وهـم عـصـمــة الجــاني ومــأمـن خــائف ومـلجــــأ البـــاب عــــلاهـا انـذعــــــارها
فـكــم فرجــــــوا مــن كـربــــة إثـر كربـــــة وكــــم أخـمـدوا نـارا يـطيـــــر شــــرارهـا
نـمـتـهـــم جــــدود فـي اللقــــــاء ضـراغم فبين يـــد المـخـتــــار دام انتصــــــــارهـا
لئــن بـان صــــــــــد مـنهم فقلوبنــــــــــــا علـى العـهـد لايـخـشـى عليها ازورارها
فـلا برحوا شمس المـعالي على المـدى وقـطـب رحى العليـــا عـلـيهم مدارهــــا
ولا بـــــرحــــــوا ظــلا تـقــــيل بــــه الورى وكـعـبـــــة إفضــــــال يـدوم اعتمـــــــادها
فـكــم فـتـحــوا مـن غــامـض الرأي مقفلا إذا عـم أربــــاب العـقــول احـتـيارهــــــا!
فـقـل لمن قــــــد رام إدراك شـــــــأوهم: أفــق إنمـــا يردي الـنـفـوس اغـترارهـــا!
تــحــــاول مــــا أدنـــــــــاه تـقصـــــر دونـه فأيـــن بنو النجـــــــــــار مــنـك نجارها؟!
فــمـا الآل بطـفي غــــــلة فدع العنـــــــــا فبــالشيخ أشتـات المــعالي انحصـارها
ولــو خـيرت نهــــد المكــــــــارم في فتى لكـــــان لعبـــــد الله يبـــــدو اختيارهـــــا
همــــــام علا هام السماكين رفعــــــــــة ورتبـتـــــــه فــوق الثريــــــــــا قرارهـــــــا
 

عن الموقع |  راسلنا  |  ابحث في الموقع  |  تنويه
جميع الحقوق محفوظة لمجلس

أسرة العبدالقادر


المبرز، الأحساء، المملكة العربية السعودية